بحث في الموقع

أحمد الدويحي

رحل أبو يوسف، يرحل العباقرة بأجسادهم، وتبقى أرواحهم تعطي للأجيال، تحلق في فضاء البشارة..

أنا خاتم الماثلين على النطع
هذا حسام الخطيئة يعبر خاصرتي
فأُسلسل نبعاً من النار يجري دماً
في عروق العذارى

محمد عواض الثبيتي الذات الشاعرة، حفلت تجربته الشعرية بالغوص في تربة حقل اللغة المحملة بثقافتها الأسطورية، فجاءت حمولاتها برؤية النبوءة، والعرافة، والاستقصاء، والاحتمال، والقراءة..

 

(أ)

تضطر أحياناً إلى كشف جذور البدايات والأوراق الأولى لقراءة أي منتج روائي سردي، وقد ألزمني الصديق الروائي عبد الواحد الأنصاري بذلك لقراءاته ككائن سردي، يتجذر في قراءته وتجربته وأسئلته، ويراوح بعين مدربة وفكر يقظ في مسارب المعرفة الواسعة.

مثقفون يعتبرون رحيل الجهيمان «خسارة» ... ويطالبون «التربية» و «الثقافة» بالاهتمام بمؤلفاته
الأحد, 04 ديسيمبر 2011
مثقفون يعتبرون رحيل الجهيمان.
الرياض – مشعل العبدلي وأسماء العبودي وعبدالله وافيه

أكد مثقفون وأدباء الدور التنويري الذي لعبه الراحل عبدالكريم الجهيمان، الذي رحل مساء يوم الخميس الماضي، لناحية تبنيه قضايا ومواقف لا مساومة عليها، فيما يخص التعليم وتعليم المرأة تحديداً، متوقفين أمام ما قدمه الراحل من جهود فريدة في جمع وتوثيق الأساطير والشعبية وكذلك الأمثال. وقال هؤلاء المثقفون لـ«الحياة» إن الراحل يعد أحد أكبر الرواد في المملكة في الفكر والثقافة والصحافة. وقال وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان إن الوطن فجع «بوفاة الأديب عبدالكريم الجهيمان، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان. فقد ترك لنا إرثاً ثقافياً مميزاً وفريداً في مجالات كثيرة في الصحافة والرحلات والتجارب الشخصية والفولكلور والاهتمام بالمرأة»، مشيراً إلى أن وكالة الوزارة «شرعت في الترتيب لإعادة طباعة بعض مؤلفاته الرائدة لكي تكون متاحة ضمن مشروع «الكتاب للجميع»، الذي تنفذه الوزارة ليتزامن مع معرض الكتاب الدولي المقبل، كما بذلت جهداً لإبراز شخصيته الثقافية ضمن جيل الرواد عن طريق التوثيق الشفهي لسيرته الذاتية ومنجزاته. وتخطط الوكالة لعمل فهرس تفصيلي للموروث الشعبي يعتمد على مؤلفاته في الأساطير الشعبية والأمثال الشعبية بهدف تعميق الاستفادة منها في الدراسات والأبحاث المتخصصة».

وأوضح الروائي أحمد الدويحي قائلاً: من حسن حظي أني تعرفت على الجهيمان واقتربت منه ومن تجربته النضالية والريادية الشاملة. وهو رمز مهم لذاكرة الأجيال في المملكة وذاكرة المثقفين أيضاً. أبو سهيل كما كان يحب أن نناديه، وهو الاسم الذي أصر على أن يسميه مرتين بعد وفاة سهيل الأول، وكان أيضاً قد سمى ابنته «الثريا»، وكأنه كان يريد أن يجمع سهيل اليمن وثريا الشام. تاريخ الجهيمان طويل جداً ومكانته كبيرة لا تكفيها عجالة، لكني أختصرها الآن، متذكراً إياه عندما دخل ردهة معرض الكتاب في دمشق في التسعينات، وكان متكئاً على عصاه برفقة الباحث الصديق محمد القشعمي، حيث قابلته للمرة الأولى، وكنت يومها أنتظر الراحل عبدالرحمن منيف، وليلتها قضينا ليلة لا تنسى. ومن بعدها، عرفت في الجهيمان الأديب والمثقف الكبير والذاكرة الوطنية، وعرفت فيه حب الوطن وحب الوفاء والرجولة، ودماثة الخلق وخفة الظل والروح. رافقته في أكثر من محطة بل وتشرفت بأن اختارني أحد المتحدثين في ليلة تكريمه في مسقط رأسه «شقراء» قبل أكثر من سبع سنوات، كما تشرفت أن اختارني متحدثاً عنه عندما كرمته مجموعة من نساء المنطقة الشرقية اعترافاً منهن بفضله في دعم تعليم الفتاة ودفعه جزءاً من حريته ثمناً لذلك.

فيما يرى رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور عبدالله الوشمي أنه يمكن اختصار الراحل « بكلمة واحدة، وهي: الأب، وذلك على مستوى الجيل والثقافة. فأما مستوى الجيل، فإن الله سبحانه وتعالى أمده بالعمر المديد الذي مكنه من اختراق عدد من الأجيال ومعايشتها، والالتصاق بتجربتها، والتأثر والتأثير فيها، وهو ما تعكسه مفردات حياته... وأما على مستوى الثقافة، فإنه المثقف المتعدد الذي ترك أثره في مسارات متعددة، فهو أب إعلامي كبير من خلال صحيفة «أخبار الظهران»، وهو أب أدبي كبير من خلال رسائله ورحلاته، وهو أب فكري كبير من خلال آراء فرد من الشعب، وهو أب شعبي مميز من خلال أساطير شعبية، وهو إلى ذلك شاعر جيد، ومتحدث متمكن، إضافة إلى مسؤوليته الثقافية التي تتجلى في وعيه بمفهوم الخيرية حين تبرع بالمدرسة التي تحمل اسمه. عبدالكريم الجهيمان رحمه الله رجل لا ينتهي، وامتداد لا يتوقف».

في حين قال الكاتب والقاص محمد علوان: مات عبدالكريم الجهيمان، حارس الأساطير، والذي ظل يلاحق المثل والأسطورة والحكاية مثلما يفعل المحب العاشق الصادق، وذلك لأن الحرص لا يأخذ نسقاً واحداً نعني به الحفظ لمجرد الحفظ فقط. ولكنه بهذا الجهد يمثل المعنى الآخر للحفظ وأعني إحياء الذاكرة والحرص على إبقائها ممتدة للأجيال القادمة محافظة على جذوتها. الذاكرة التي تناضل للبقاء ضمن هدف الكتابة تعني لعبدالكريم الجهيمان فكرة التغيير والتجاوز، رغم ما عاناه في بداية الطريق من منع وإيقاف وسجن لكنه أثبت أن الحريص على الوطن وذاكرته المليئة بالشجن والحب والمعاناة، هو الذي يثبت في النهاية معنى وفكرة المواطنة الحقة، والتي أثبتت أن أيام المعاناة والتعب أشبه بالمحفز لعطاء أعظم"، مشيرا إلى أن عبدالكريم الجهيمان "واحد من أكثر الكتاب عطاء واستمراراً وصدقاً، بل هو واحد من القلائل الذين قاربوا الخطوط الحمراء، ليس بحثاً عن إثارة وإنما لغرس حب الوطن والثقافة والمعرفة لإنسان هذا البلد، والذي علمنا الجهيمان امرأة أو رجلاً، إنما يمثل إضافة وإضاءة تكشف المساوئ وتنير العمل والجهد الذي يستحق التنويه والإشادة. عبدالكريم الجهيمان عاش صادقاً طيلة عمره صامتاً في آخر أيامه وكأني به يستعد لرحلة لن يتمكن من كتابة تفاصيلها وأحداثها رحم الله هذا الجبل المنيف والذي دخل ذاكرتنا التي لن تنسى أسطورة أعاد كتابتها ولا مثلاً جمعه ولا حكاية شعبية طربنا لتفاصيلها".

واعتبر محمد المشوح أن فقد الأديب الكبير الشيخ عبدالكريم الجهيمان «خسارة فادحة وكبرى للمشهد الثقافي السعودي، ذلك أن الجهيمان يبقي هو الشاهد الأخير والكبير على تطور الثقافة في بلادنا منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز، إذ رحل عن هذه الدنيا بعد أن عاش قرناً من الزمان خاض خلالها معارك أدبية وفكرية ساخنة وكتب ودون ورحل وشارك. كانت له بصمته المعروفة في الصحافة السعودية حيث إنه يعد من أوائل الكتاب السعوديين الذين شاركوا في بدايات الصحف السعودية. وكانت «الثلوثية» ممن قامت بتكريم الجهيمان في ليلة وفاء خاصة، حضر فيها جمع من المثقفين والأدباء». 

وقال الشاعر علي الدميني: فقدت بلادنا علماً من أعلام التنوير والتقدم الحضاري، خلال أكثر من 70 عاماً، خط اسمه على واجهات منعطفاتها المهمة في مختلف الحقول الإعلامية والثقافية والأدبية. كان شيخنا الكبير عبدالكريم الجهيمان يعبر عن بوصلة الضمير الوطني التي تشير دائماً بعفويتها وصدقها وعطائها إلى مسارات الطرق الصحيحة، وكان رمزاً من رموز المكاشفة والمصارحة والعين النقدية طوال مسيرة حياته، رغم ما ناله جراء تلك الرؤى، والمواقف من صعاب أو عقبات».

وسرد الروائي خالد اليوسف موقفاً حصل له مع الراحل، إذ يقول: كنت في المرحلة الثالثة من الإعدادية، وكنا في فصل الصيف نستفيد من الإجازة المدرسية الطويلة في العمل، والتحقت بمحكمة الرياض الكبرى للعمل بها، واختارني مدير قسم السجلات وإصدار الصكوك الشرعية لأن أكون في قسمه، وفي يوم من أيام الرياض الصيفية شديدة الحرارة وإذا أنا أمام رجل كبير في السن من غير هرم، وقد جاء يطلب صكه الشرعي مثل غيره من المراجعين، وحين طلبت منه معرفة اسمه لكي أصل إلى مراده فإذا هو يخبرني أنه عبدالكريم الجهيمان، فطلبت منه بقية اسمه أو الاسم الكامل فذكره لي ومنحني فرصة لكي أبحث عن أوراقه، ذهب لبعض الوقت ثم عاد إليّ ومعه كتاب بيده، سلمه لي وهو يستلم صكه بيده الأخرى وقال لي: أنا صاحب هذا الكتاب وأرى في ملامحك جد وعمل ومستقبل للقراءة والمطالعة والبحث عن المستقبل ويسرني أن تقرأه! شكرته بامتنان وفرحت أن مؤلف كتاب كبير يهديني نسخة من كتابه. فيما يقول الشاعر عبدالله الصيخان: أين الطريق، ذلك هو السؤال الذي طرحه عبدالكريم الجهيمان ذات يوم وكان الراحل عبدالكريم الجهيمان.عنواناً لأحد كتبه. ونحن هنا لا نحاول إعادة طرح هذا السؤال الشائك. ذلك أن الأسئلة الصعبة التي طرحها جيل الرواد ظلت قائمة وظلت حقاً مشروعاً للأجيال التالية أن تسترجعها وتعيد التذكير بها، وتقارب الأجوبة التي تحاول أن تتبين الغي من الرشد في كل أطوار نمو المجتمعات والتحاور مع أزماتها وتحولاتها. والجهيمان واحد من جيل التنوير الذي ضم حمد الجاسر وعبدالله عبدالجبار وأحمد السباعي ومحمد حسن عواد وحمزة شحاته وآخرين. ذلك الجيل الذي حمل عبء التغيير والإصلاح وحاول أن يؤسس لهذه الثقافة بأن يبذر بذورها الأولى، متسلحاً برؤية شفافة ترى في طرح مثل هذا السؤال حقاً مشروعاً للمجتمعات وواجباً يقوم به مثقفوها وقادة الرأي. ولا يزال السؤال مطروحاً كأنما حبر كتابته لم تجف بعد... ».

 

...الراحل شهد على العصر

الرواية تؤرخ أم ترصد ؟

المدونات التاريخية ورصد الواقع في النص الروائي


وليد الرجيب

استطلاع: محمد باوزير

ما مدى توظيف المدونة التاريخية في النص الروائي؟ سيما وأن العمل الروائي عماده الرؤية التاريخية التي ينهض منها.

كما أن الرواية تؤرخ للمجتمع وترسم ملامحه وترصد حركته، متخذة من مهمشيه أبطالاً للنص، وبذلك يقدم الروائي بعد أن يضفي على نصه ضربا من خياله فيصيغه نصاً سردياً ماتعاً وباذخاً للمتلقي.

من هنا ارتأينا أن نحمل هذا السؤال لنقف به أمام أكثر من تجربة روائية لها حضورها الكبير في فضائنا الإبداعي وفي المشهد الثقافي العربي فإلى هذا الاستطلاع.

بدايتنا كانت من الكويت حيث شارك معنا الروائي الكويتي الأستاذ طالب الرفاعي ليقول: المؤرخ يرى إلى الحدث الحياتي، في منعطفاته الحادة والكبيرة، بوصفه المادة الأهم لكتابة التاريخ. بينما يرى الروائي أن الإنسان البسيط، صانع الحدث الحياتي، في تفاصيل حياته اليومية الصغيرة هو المادة الأغنى والأهم. لذا يتوجه المؤرخ، بقناعته وربما بمصلحته الشخصية، إلى الحدث المنعطف لكي يستنطقه ويكتبه كمحطات تاريخية، ترفع وتزوق من تشاء وتطمس دور من تشاء. لكن الروائي يحمل تجربة حياته الشخصية، ووجعه الإنساني وحلمه، لكتابة رواية تجاور الحياة، وتبزها في قدرتها على قول ما تجبن الحياة عن قوله. الوثيقة التاريخية كتاب، لكن الرواية حياة.

مادة الحدث المنعطف لدى المؤرخ تكتب التاريخ، ومادة التاريخ الإنساني لدى الروائي تكتب الرواية. ومن هنا تأتي النظرة إلى كتب التاريخ، بوصفها مراجع دراسية يمكن الوقوف أمامها، وقراءتها بعين فاحصة، للتأكد من صحة ما جاء فيها، أو دحضها، وفي الجهة الأخرى فإن البشر يقرأون الرواية بوصفها وثيقة حياة قائمة بذاتها. يستحضر أبطالها ويقيّم أفعالهم وكأنهم أحياء. وهذا ما يمنح أبطال الأعمال الروائية أعماراً طويلة متجددة وباقية أكثر بكثير من أعمار المؤلفين الروائيين.

وواصل الرفاعي قائلاً: لا يمكن لأي حدث أن ينعقد دون مكانٍ وبشر، وانتفاء وجود الإنسان يعني استحالة انعقاد أي حدث. لذا يلجأ بعض الروائيين لقراءة ودراسة حوادث التاريخ، بغية التفتيش عن أناس بسطاء، يمكن النفخ مجدداً في حياتهم بواسطة فن الرواية الساحر، ومن ثم إعادتها بحلة جديدة، بزخمها ونبضها ونَفَسها الإنساني، وبما تحمل من مشترك عريض مع الحياة الراهنة. وهذا وحده كفيل بأن يجعل الجمهور يُقبل ويتعلق بالرواية التاريخية، لأنها تمسّ حياته الشخصية، كونها تقدم له نماذج بشرية لا تختلف عنه.

 

 

 

 


حمود التراوري

 

 

الحياة اليومية لعامة الناس، بتفاصيلها الصغيرة والمدوخة، والمشتركة بين البشر في كل زمان ومكان، هي مادة الرواية، ولأن الإنسان يتوق لمعرفة حياته يقرأ الرواية، أملاً في العثور على شيءٍ فيها يتقاطع مع حياته وينير جنباتها. الرواية في هدفها الأسمى تمجد بطولة الإنسان البسيط في إقباله على الحياة، وسعيه المشروع لحياة حرة كريمة. وربما هذا وحده يجعل الرواية وثيقة حياة قابلة للبعث في كل الأزمان.

ومن الكويت أيضاً يبرز الروائي الأستاذ وليد الرجيب ليطرح رؤية أخرى:

ترتبط الرواية بالتاريخ ارتباطاً عضوياً، ولا يمكن الفصل بينهما، سواء كان الإبداع مكتوباً أم مرسوماً أو غيرهما من أدوات الإبداع، فكل سطر يكتب في رواية يشكل في نهاية الأمر تاريخاً لليوم التالي والقرن التالي والعصر التالي.

فما يكتب اليوم يعكس ويمثل هذه المرحلة التاريخية، بكل تفاصيلها سواء الطراز المعماري أو العلاقات الاجتماعية أم الأوضاع السياسية، أي أن الروائي المصري مثلاً، الذي كتب رواية قبل ستة أشهر، غير الروائي الذي يكتب رواية بعد ثورة 25 يناير 2011، فقبل ستة أشهر كانت الأوضاع الاجتماعية والمعيشية والسياسية والأمنية، تختلف عنها الآن، ومثلاً رواية المبدع الأمريكي همنجواي "وداعاً للسلاح" عكست واقعاً وتاريخاً عاشه المؤلف واشترك به، لكن بالنسبة لنا فقد قرأنا تاريخ تلك المرحلة التي لم نعشها، بعيني الكاتب وأحاسيسه.

والرواية بالذات يليها الفن التشكيلي عكس لنا تفاصيل التاريخ في القرن الماضي والذي سبقه، كما عكس لنا الفن الروائي، تاريخاً بأحداثه وأفكاره أكثر مما عكست لنا الكتب والأبحاث التاريخية، فكلنا عرفنا عن تفاصيل حرب نابليون على روسيا القيصيرية عام 1812، من خلال رواية تولستوي "الحرب والسلام"، وأيضاً ثلاثية نجيب محفوظ، عكست تاريخ الواقع المصري في بدايات القرن الماضي، وعلاقاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ونمطه المعماري، فمن يريد منا معرفة تاريخ مصر في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، يجب أن يقرأ هذه الروايات، فبالتأكيد ستكون أصدق وأدق من الكتب التاريخية، التي عادة ما تتدخل فيها الأهواء الشخصية، والنفوذ السياسي والاجتماعي.

 

 

 

 


طالب الرفاعي

 

 

 

ويضيف الرجيب: وأنا شخصياً عندما كتبت رواية "بدرية" في الثمانينيات عكست فيها تاريخ الكويت، عند بداية اكتشاف النفط، وعلاقة عمال النفط بالشركات البريطانية، واكتشف القارئ تاريخاً غير مسجل في الكتب التاريخية، وأيضاً مسرحيتي "إيكاروس" عكست من خلالها رؤية ربما لم تحدث، لكنها عكست قصة تسمية جزيرة فيلكا، ووجود جنود الاسكندر الأكبر فيها، أما روايتي ما قبل الأخيرة "أما بعد"، فأيضاً عكست من خلالها واقعاً ربما لم يكتب بتفاصيله في كتب التاريخ، وهو واقع وجود يهود الكويت ونمط معيشتهم، وعلاقتهم بالمواطنين الآخرين من المسلمين.

فأظن أنه لايمكن فصل الرواية عن التاريخ، وإن أفضل طريقة لترسيخ الأحداث التاريخية في أذهان الناس العاديين غير الواعين والفئات الشابة، هي روايته على شكل حكاية، وهو ما يفعله المدرسون ومربو الأجيال، بتعليم النشء تاريخ البشرية عن طريق الحكاية المشوقة.

من جهته يرى الروائي الأستاذ أحمد الدويحي أن روايته (ثلاثية المكتوب مرة أخرى) شكلت أسئلة الرواية وعوالمها ونسيجها وقال أيضاً:

أعتقد أن النسيج الروائي، تتجاور في داخله خطابات متنوعة، ويأتي حضور الخطاب التاريخي في النسيج الروائي،  كرافد لفكرة أو إشارة إلى  حالة  أو لتوظيف مباشر، وقد يكون عالماً أسطورياً يستوحي من أساطيره الكاتب، ليسقط على الواقع المعاصر سواء كان استحضاراً لحوادث أو لشخوص، أو للأسطورة التاريخية ذاتها وتأويلها. .

 

 

 

 


محمد المزيني

 

 

 

وشكلت أسئلة الرواية وعوالمها ونسيجها، حدثاً مهماً كان لابد منه في جسد روايتي ( ثلاثية المكتوب مرة أخرى ) على صعيد تجربتي، إذا كانت الرواية معنية بتتبع خيوط  النسيج المُشكل لعالمها، ولا شك أن التاريخي السياسي والديني والأسطوري واليومي والسيرة الذاتية  والفنون الأخرى، تشكل عوالم  موازية لعالم الرواية وقد تكون ضفائر مكملة، تضيء في جسد الرواية لدواع ٍ يقتضها النص الكتابي .

ويتم الخلط أحياناً بين مكونات الرواية، فاليومي الروائي تاريخي  وهناك كتابة روائية بالضرورة يومية، وهنا لابد من تسجيل أحداث تاريخية، تعاش لها سطوتها على المكون الروائي والمجتمعي، وكاتب السيرة الذاتية لابد أن يستشهد بالحدث التاريخي، وتحضر الشهادة التاريخية في النص الروائي الشامل، وتلبس ملمحاً متنوعاً كالقراءة الأسطورية، أراد ذلك الكاتب أو أم لم يرد.

لكني في نفس الوقت ضد تصنيف الرواية، كتسمية الرواية التاريخية أو التعليمية أو الدينية، فالرواية عالم شمولي يوازي الواقع وينتسب إليه.

القاص والروائي الأستاذ محمد المزيني ناقش في أغلب رواياته القضايا التي مرت على المجتمع السعودي وأثرت فيه فقال: بما أن الأعمال السردية طويلة النفس لا تنفك عن تدوين تفاصيل اللحظات فهي معنية مباشرة بالتاريخ الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي للمجتمع. من هذه القاعدة الأساسية يبنى النص الروائي حتى لو كان يتناول زمنا حاضرا فهو يعيد صياغته على منوال كان.. هذه الكان هي ما يمنح النص تاريخيته .. لتمدده في عمق المستقبل .. فما يمكن ان يقرأ اليوم على انه حاضر ماثل للعيان فسيصبح غدا ذا بعد تاريخي .. وربما سفراً من أسفار المجتمع الذي لا يمكن الاستغناء عنه في بعض الدراسات أو التحليلات للظواهر التي تطرأ على المجتمع .. بالنسبة لي فأنا أتعاطى مع التاريخ في نصوصي الروائية بطريقة تمرحلية، بحيث يتناول كل عمل من الأعمار زمنا بعينه فرواية (مفارق العتمة ) سجلت لتاريخ بدايات الصحوة الإسلامية وبدايات الطفرة التي اقتحمت حياة البسطاء فجأة وأحدثت انشقاقا اجتماعيا لا نزال نعاني منه هذا الانشقاق أوجد طبقة مجتمعية مهمشة وصفته روايتي الثانية ( عرق بلدي ) الذي دون هذه المتغيرات في حياة المجتمع السعودي ما بعد الطفرة والآثار التي خلفتها هذه المرحلة على المجتمع برمته.. ثم انتقلت إلى (اكليل الخلاص) الرواية التي ناقشت الغربة في زمن محدد ..

 

 

 

 


أحمد الدويحي

 

 

 

وتناقلتها الأمكنة عبر شخوص أيضا مهمشة في مجملها.. هذا التمترس الزمني ألقى بظلاله على ثلاثية (ضرب الرمل) التي تعاملت مع الزمن او التاريخ بكل أبعاده كمحور أساسي، ابتداء من مطالع الخمسينات من القرن السابق وحتى وقتنا الحاضر .. وقد اعتمدت على تدوين هذا التاريخ من خلال الالتقاط الشفوي من كبار السن المعاصرين للأحداث السابقة ثم البحث في التاريخ السعودي الحديث.. وقد صور العمل مراحل التغيير في حياة الناس بكل تفاصيلها الاجماعية والاقتصادية والسياسية.. وطبيعة الصراع لذي يتخلق داخل النص هو صراع من نوع خاص أساسه البقاء للأقوى.. مهما بالغنا في تمجيد القيم الطيبة وحاولنا غرسها في مجتمعنا فإن ثمة من يتجاذب اللعبة ليستقر الطيبون في قاع هذه المعادلة الصعبة أعني بها.. قوة المال والثراء .. والقيم كل هذا التدافع يقبع عجلة الزمن التي نسميها التاريخ.

أما القاص والروائي الأستاذ محمود تراوري فيعطي للمدونة التاريخية أهمية سواء كانت رسمية أم نخبوية فيقول:

أتكلم بما هو خاص جدا، وبما يمثل قناعاتي الفردية، بأن ما تسميه ( المدونة التاريخية)، يمكن أن يكون توظيفه، بتقويضه أولا . فإذا كنا نؤمن بأن التاريخ البشري، ما هو إلا دورات متعاقبة، متكررة متشابهة، لا تختلف إلا في التفاصيل والميكانيزم، فقط، علينا الانطلاق كذلك من الإيمان بحقنا في التعاطي معها - المدونة التاريخية - بشك، ومن هنا تنبث لحظة الإشراق باستلهامها في الفن، سواء رواية أو فيلما سينمائيا أو دراما إذاعية، أو نصا مسرحيا، بغية تأمل الظاهرة التاريخية بعمق، وحياد تامين، وتحليلها، وبالتالي قياس تحولات الوعي الإنساني، في سعيه الأزلي نحو اليوتوبيا، حلم الإنسان الأكبر في العيش والحياة.

كما أن في تصوري أن مفهوم ( المدونة التاريخية) ليس مستقرا في حد ذاته أصلا . فعن أي مدونة تاريخية نتحدث ؟ الرسمية التي دونتها آليات السلطة بكل تداخلاتها، أم النخبوية التي أنتجتها نخب معينة، مرتبطة مباشرة أو غير، بتلك التداخلات في سياقاتها كافة، سياقات اقتصادية وسياسية واجتماعية محددة، بالضرورة أثرت في تعاطيها مع التدوين، ما يعطى منطق الشك فيها والريبة منها، مستندا تبريريا رائعا، أم أننا نتحدث عن المدونة المختلفة في تفاصيلها تبعا لتباينات الرواة؟ ثم ماذا عن المدونة الشخصية، فلكل منا، لكل إنسان ( مدونة تاريخية شخصية، بل وشخصية جدا ) . وماذا عن المقدس من ( المدونات التاريخية)؟

ويتساءل التراوري أيضاً عن الرواد في هذا الميدان قائلاً: وأخيرا ماذا عن تجارب النصف الثاني من القرن التاسع عشر التي كان من رموزها ( إبراهيم المويلحي ) وابنه محمد وعبد الله النديم وانطوان فرح وفرانسيس المراش وخليل الخوري وجروجي زيدان الذي – طبقا لجابر عصفور - خاض الرواية التاريخية سنة 1892 في اتجاه عرض تاريخ التمدن الإسلامي في روايات تضع التاريخ وأفكار الاستنارة في وعاء من القص؟

ماذا عن كل هذه الأسئلة ؟

أعتقد أنك يا محمد تثير موضوعا مهما جديرا بأن يلتفت له الباحثون الجادون الذين يضيفون شيئا له قيمته معرفيا أو على الأقل فيه شبهة تحريض على البحث والمعرفة، للتماهي مع الفن، وهذا لعمري واحد من سمات المجتمعات الحيوية، لا الساكنة .

٨٠٠ رواية سعودية خلال ١٨ عاماً مقابل ١٢٠ في ٦٠ سنة

الرواية المحلية .. طفرة في العدد وَشحّ  في المستوى


6300.jpg
  • ٢٠١١/١٢/٥ @ ٢:٥٥ ص
التعليقات

الرياض – فيصل البيشي

ذكرت إحصائية صادرة عن أدبي الباحة، أن عدد الروايات السعودية الصادرة بين عامي 2007 ـ 2009 بلغ 189 رواية، وذكر القاص خالد اليوسف لـ”الشرق” : أن عدد الروايات الصادرة بين عامي 2010/ 2011 بلغ 145، بينما وصل عدد الروايات السعودية منذ عام 1930 إلى 880 رواية. والجرافيك المرافق يوضح الأرقام بالتفصيل.

فهل هو تحول في نظرة المجتمع إلى الرواية، وتقبله لها، أم أنها موجة موقتة فرضتها تغيرات العصر، وستذهب عما قريب، ولماذا لا يتم وضع هذه الأعمال تحت عدسة النقد.

يرى القاص والروائي أحمد الدويحي أن المجتمع لايزال ينظر إلى الرواية بريبة، وبحكم ثقافتنا نحن نمارس حياتنا بسرية، ونرفض أن يتم الكشف عما نقوم به، وهذا ما تفضحه الرواية التي تدخل فيها فنون أدبية أخرى، كالمسرح والسينما، وغيرها، وأقول: يجب أن يصبح لدينا رواية جيدة لكي يكون لدينا مسرح وسينما جيدين.

 

حالة صحية

ولا يرى الدويحي أي مشكلة في هذا الإصدار المكثف، الذي يُعد طفرة تعيشها الساحة الأدبية، ففي كل موسم تصدرأعداد كبيرة من الروايات، تتفاوت في المستوى بين الجيد والرديء، وهي في غالبيتها لا تتعدى مرحلة التجريب، ونحن نعيش حالة انفلات.

ويؤكد الدويحي أن هذه الحالة طبيعية وصحية، نتيجة تعدد وسائل الاتصال وتطورها، ما يتيح للناس مزيداً من وسائل التعبير والتنفيس.

وهي ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الإقبال الكبير من القرَّاء والكُتَّاب، ففي فترات سابقة كنا في زمن القصة، وانتقلنا إلى الشعر، إلى أن وصلنا إلى الرواية حالياً.

ويفضل الدويحي أن تكتب الرواية بعد سن الأربعين، ويعلل ذلك بأن الكاتب يصل إلى مرحلة النضج، وإلى التمكن من أدواته الفنية، ومعرفة فنون السرد، والتراكم الزماني والمكاني.

ويؤكد أن هنالك اتجاهاً لكتابة الرواية من كُتِّاب الشعر والأدب، وأن هنالك محاولات في غالبيتها لم ترتقِ للمستوى المطلوب.

ويشير الدويحي إلى أهمية إنشاء مراكز دراسة ومتابعة وتقييم لهذه الأعمال، فالإصدارات الحالية من الكثرة بحيث يصعب مرورها على مباضع النقاد.

 

العمق المكاني

ويرى الكاتب والروائي عبد الحفيظ الشمري أن الرواية السعودية تسير بنجاح مميز، جعل منها مادة للتفاعل والقراءة، وبدأ المجتمع يتعاطى معها بشكل إيجابي، الأمرالذي سجل ظاهرة الحديث عن الرواية في الحياة اليومية، حتى لغيرالمحسوبين على فئة المثقفين، وكل ذلك بجهود كُتَّابها، وهو أمر أفضى ببعض المبدعين في مجال السرد إلى إنتاج النص المفتوح.

وعن مستوى السرد، يشير الشمري إلى وجود أبعاد فنية مختلفة للرواية السعودية، منذ عبد الرحمن منيف، ومن بعده رجاء عالم، وتركي الحمد، حيث سجل هذا الثلاثي الروائي حضور الرواية بعمقها المكاني، فخماسية “مدن الملح” للراحل “المنيف” في شرق الوطن كرست مفهوم المكان المتجذر في وجدان العامل البسيط الذي يسعى إلى حقوقه، وجاء على إثره تركي الحمد محمولاً على بساط الملامح المكانية المعتقة في ثلاثية “أطياف الأزقة المهجورة” بين العدامة والشميسي والكراديب، وفي مجمل أعمال رجاء عالم نجد أنها شخصت في “بدربة” عوالم المكان في عمق الكون، مكة المكرمة.

وهنالك تيارات كثيرة أشبعت المشهد الحياتي عرضاً وسرداً وتشويقاً للقارئ الذي بات الآن شغوفاً بكل ما يكتب.

 

النقد لا يبني رواية

ويرى الشمري أنه من المجحف، أو الخطأ، أن نجعل للنقد أي دور في بناء مشروع الرواية، فضلاً عن أن يكون قد أسهم في محاولاته لهدمها بادعاءات مظللة، فأشباه النقاد متجردون للمديح والتزلف لبعض التجارب. وهنالك أمثلة لا حصر لها تؤكد أن النقد لم يكن أميناً في تعاطيه مع المنجز، فالأعمال الروائية في المعارض حاضرة بجهود أهلها، ولا أحد له الفضل في نجاحها.

ويؤكد الشمري أن مستوى الرواية، من حيث المقروئية، والحضورالفني، والتميز اللغوي، وتطور الأداة الفنية، مثالي، وجدير بالمتابعة والقراءة. كما أن الرواية باتت عاملاً مهماً من عوامل فضح بعض الممارسات الخطأ، وتجريدها، لكي تكون أمام الناس بلا تلفيق، أو “تزويق”، أو إضافات، لتسهم في تشخيص وعلاج كثير من مشكلاتنا الاجتماعية التي كانت في السابق محرمة، وذات خطوط حمراء ودوائر مغلقة.

وعن المشكلات التي تواجهها الرواية السعودية، يؤكد أنها محدودة، ولا تؤثر في تجليها وحضورها على نحو قلة الدعم لها من قبل المؤسسات، وغياب الجوائز المحلية التي تتناول الرواية.

 

سيرة وبوح وخواطر

ويؤكد المتخصص في الرواية المحلية د.حمد البليهد أن الوسط الأدبي يعيش حالياً حالة انفجار روائي كبير، نتيجة تحولات سياسية واجتماعية وثقافية فرضتها طبيعة هذا العصر، فالمجتمع ظل لفترة طويلة متوقفاً عن الإنتاج الروائي، أما الأعمال الحالية فهي في مجملها عبارة عن سيرة وبوح وخواطر، وشباب وشابات أتيحت لهم الفرصة في التعبير. وأتاحت قنوات التواصل المكان والمساحة الأدبية لكي يقدموا إنتاجهم الروائي، إلا أن هنالك أعمالاً جيدة تستطيع أن تنافس.ويرى البليهد أن غالبية الروائيين جاءوا من خارج السياق الأدبي، ولم يكن لهم تاريخ أدبي، إلا أن منهم من أبدع، مثل غازي القصيبي، يرحمه الله. ولذلك فإن غالبيتهم توقفواعند العمل الأول. ويؤكد البليهد أن اللغة في غالبها ليست أدبية، بل هي لغة تواصلية تداولية، لعدم وجود رصيد من الثقافة والأدب عند بعض الكُتَّاب، ولذلك هم يكتبون بلغة الناس المتداولة عند المواطن العادي.

 

تنفيس

ويرى الروائي عبد العزيز الصقعبي أن المشهد الروائي السعودي يعج بروائيين لا يملكون أي رصيد أدبي، ولم يكتبوا قصة قصيرة واحدة، أو مقالة، وإنما هي تجارب حياتية وقرائية، بحثاً عن الشهرة، فالرواية فن مغرٍ للباحثين عن الشهرة. والأعداد الكبيرة من الروايات هي عبارة عن خواطر ويوميات تنفيسية لا ترتقي لمستوى القارئ. وهي حالة مشابهة لما حدث في الثمانينيات، فقد عشنا موجة القصة، وكانت الصحافة المحلية تتناولها بشكل يومي، وكما انتهت تلك الموجة، أوتحولت، ستنتهي هذه الموجة قريباً، أو ستتحول. ويؤكد الصقعبي أن الحاجة إلى دراسات نقدية أصبح أمراً ملحاً وهاماً في هذه المرحلة، فالساحة الروائية تفتقد للناقد الحقيقي الذي يكتب في نظرية للنص، بعيداً عن المحسوبية والشللية، ولا يوجد اسم كبير نستطيع أن نطلق عليه ناقداً. وتبقى المحاولات محدودة جداً وخجولة، وتغلب عليها المصالح الشخصية والعلاقات.