بحث في الموقع

حمد حميد الرشيدي

الأستاذ أحمد الدويحي اسم له حضوره الواضح في المشهد السردي لدينا، ويعد واحداً من الأسماء التي أنضجت تجربتها القصصية على نار هادئة وطرحتها بحذر مشوب بالتفاؤل بقبول المتلقين لها دون ضجيج ولا تهويل.
ويحسب للدويحي عدم انتمائه لمدرسة سردية معينة، وعدم انجرافه مع التيارات ذات التوجهات الفكرية أو الفنية التي انجرف معها غيره من الكتاب

، وحملوا شعاراتها حتى كانوا صوراً مقلدة لمن سبقوهم، وإرثاً مستنسخاً لمن لحقوهم. ولا أزعم هنا أنني قرأت كل ما كتبه أحمد الدويحي في مجال القصة أو الرواية، ولكنني قرأت له عملين أو ثلاثة أراها كافية بعض الشيء، وكنموذج للإدلاء بدولي ضمن المتحدثين عن تجربته إشادة به وبأمثاله من الكتاب الذين قدموا ما في وسعهم أن يقدموه في هذا المجال الفني. ومما تحفل به ذاكرتي الاستقرائية عن الدويحي مجموعته القصصية، الموسومة ب«قالت فجرها» الصادرة له قبل فترة، والتي استطاع من خلالها الولوج إلى عالم المرأة، ليس بثوب الواعظ أو الناصح أو الناقد المزدري لسلوكياتها وتصرفاتها، وإنما بثوب المعالج والمتفحص لمشكلاتها وحلولها بطريقة غير مباشرة. وفيما يبدو لي أن المجموعة كلها خطاب «ذكوري» تسلل بثوب «أنثوي» إلى عالم المرأة في بيئتها المحلية حسب ما يوحي به مسمى هذه المجموعة «قالت فجرها».
ومن آخر إصدارات الدويحي التي كنت قد اطلعت عليها في الآونة الأخيرة مؤلف بعنوان «المكتوب مرة أخرى». وأقول هنا «مؤلف» لأنني بصراحة لم أَرَ ما يدعو إلى تسميته أو تصنيفه حسب قواعد التصنيف المتبعة لدى المكتبات، أو المتهمين بتصنيف الأجناس الأدبية على أنه «رواية» أو «مجموعة قصصية» على الرغم من أن الأستاذ الدويحي نفسه قال لنا ذات ليلة في أحد ملتقياتنا المتمثلة في «جماعة السرد» في «الجمعية السعودية للثقافة والفنون» بالرياض إن عمله هذا عبارة عن «رواية».
لقد قرأت «المكتوب مرة أخرى» فوجدت أنه قد ينتمي إلى جنس المقالة الأدبية أو الخاطرة أو السيرة الذاتية أو غيرها، ولكنه لا يمكن أن ينتمي إلى جنس القصة أو الرواية من وجهة نظري الشخصية على الأقل، إنه أشبه ما يكون ب«مذكرات» أو «نوتات» سجل فيها بعضاً من المشاهد والمواقف الحياتية أو اليومية التي جمعته ببعض أصدقائه ومعارفه الشخصية في مكان وزمان محددين. ولا أدري في الحقيقة لماذا أُغْفِلَ تصنيف هذا العمل؟ هل ترك لنا الدويحي «متعمداً» الحرية في أن نصنف له عملاً كهذا كيفما نشاء، وحسب ما توحي به مشاعرنا وأذواقنا؟.. أيضاً لا أدري، وكل ما أعرفه أن هذا العمل جيد على أي حال وإن كانت قضية تصنيفه لا تزال قائمة حتى الآن.